ما حكم دخول المسلم في طريقة صوفية ولماذا تتعدد هذه الطرق وإذا كان التصوف هو الزهد والذكر والسلوك الحسن إلي الله فلماذا لا يكتفي المسلم لمعرفة آداب وسلوك النفس بالكتاب والسنة ؟

ما حكم دخول المسلم في طريقة صوفية ولماذا تتعدد هذه الطرق وإذا كان التصوف هو الزهد والذكر والسلوك الحسن إلي الله فلماذا لا يكتفي المسلم لمعرفة آداب وسلوك النفس بالكتاب والسنة ؟

الجواب: التصوف هو منهج التربية الروحي والسلوكي الذي يرقي به المسلم الى مرتبة الإحسان التي عرفها النبي صلي الله عليه وسلم (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ))
فالتصوف برنامج تربوي يهتم بتطهير النفس من كل أمراضها التي تحجب الإنسان عن الله عز وجل وتقويم انحرافاته النفسية والسلوكية فيما يتعلق بعلاقة الإنسان مع الله ومع الآخرين ومع الذات .
والطريقة الصوفية هي المدرسة التى يتم فيها ذلك التطهير النفسي والتقويم السلوكي والشيخ هو القيم او الأستاذ الذي يقوم بذلك مع الطالب أو المريد .
فالنفس البشرية بطبعها يتراكم بداخلها مجموعة من الأمراض مثل : الكبر والعجب والغرور والأنانية والبخل والغضب والرياء والرغبة في المعصية والخطيئة والرغبة في التشفي والأنتقام والكره والحقد والخداع والطمع والجشع قال تعالى حكاية عن امرأة العزيز :

(( وما أبرئ نفسي إن النفس لآمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم )) ومن أجل فطن اسلافنا الاوائل إلي ضرورة تربية النفس وتخليصها من أمراضها لتتواءم مع المجتمع وتلفح في السير إلي ربها .
والطريقة الصوفية ينبغي أن تتصف بأمور منها أولا : التمسك بالكتاب والسنة , إذ إن الطريقة الصوفية هي منهج الكتاب والسنة وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو ليس من الطريقة بل الطريقة ترفضه وتنهي عنه ثانيا : لا تعد الطريقة تعاليم منفصلة عن تعاليم الشريعة بل جوهرها . وللتصوف ثلاثة مظاهر رئيسية حث على جميعها القرآن الكريم وهي أولا : الاهتمام بالنفس ومراقبتها وتنقيتها من الخبيث قال تعالى ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) ثانيا كثيرة ذكر الله عز وجل قال سبحانه ( يا أيها الذين امنوا ذكروا الله ذكرا كثيرا ) وقال النبي صل الله عليه وسلم (( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله )) ثالثا . الزهد في

الدنيا وعدم التعلق بها والرغبة في الآخرة قال تعالى : ( وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون )
أما عن الشيخ الذي يلقن المريدين الأذكار ويعاونهم على تطهير نفوسهم من الخبث وشفاء قلوبهم من الأمراض فهو القيم أو الأستاذ الذي يرى منجهاً معينا هو الأكثر تناسباً مع هذا المريض أو تلك الحالة أو هذا المريد أو الطالب وكان من هديه صل الله عليه وسلم أن ينصح كل إنسان بما يقربه إلي الله وفقاً لتركيبة نفس الشخص المختلفة فيأتيه رجل فيقول له : يا رسول الله أخبرني عن شيء يبعدني عن غضب الله , فيقول النبي صل الله عليه وسلم (( لا تغضب )) ويأتيه آخر يقول له أخبرني عن شيء أتشبث به فيقول له النبي صل الله عليه وسلم (( لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله )) وكان من الصحابة رضى الله عنهم من يكثر من القيام بالليل ومنهم من يكثر من قراءة القرآن ومنهم من كان يكثر من الجهاد ومنهم من كان يكثر الذكر ومنهم من كان يكثر من الصدقة .
وهذا لا يعني ترك شيء من الدنيا وإنما هناك عبادة معينة يكثر منها السالك إلي الله توصله إلي الله عزوجل وعلي أساسها تتعدد أبواب الجنة ولكن في النهاية تتعدد المداخل والجنة واحدة يقول النبي صل الله عليه وسلم
(( لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون بذلك العمل ولأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان )) , فكذلك الطريق تتعدد المداخل والأساليب وفقال للشيخ والمريد نفسه فمنهم من يهتم بالصيام ومنهم من يهتم بالقرآن أكثر ولا يهمل الصيام وهكذا . ما ذكر يبين التصوف الحق والطريقة الصحيحة والشيخ الملتزم بالشرع والسنة وعلمنا سبب تعدد الطرق لتعدد أساليب التربية والعلاج وأختلاف المناهج الموصلة ولكنها تتحد في المقصد فالله هو مقصود الكل ولا يفوتنا أن ننبه أن ذلك الكلام لا ينطبق على أغلب الدعين للتصوف الذين يشوهون صورته ممن لا دين لهم ولا صلاح الذين يقومون يرقصون في الموالد ويعملون أعمال المجاذيب المخرفين فهذا كله ليس من التصوف ولا الطرق الصوفية في شيء وإن التصوف الذي ندعو إليه لا علاقة له بما يراه الناس من مظاهر سلبية سيئة ولا يجوز لنا أن نعرف التصوف ونحكم عليه من بعض الجهلة المدعين وإنما نسأل العلماء الذين يمتدحون التصوف حتي نفهم سبب مدحتهم له وأخيراً نرد علي من يقول لماذا لا نتعلم آداب السلوك وتطهير النفس من القرآن والسنة مباشرة فهذا كلام ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب ؛ لآننا ما تعلمنا أركان الصلاة وسننها ومكروهاتها بقراءة القرآن والسنة وإنما تعلمنا ذلك من علم يقال له علم الفقه صنفه الفقهاء واستنبطوا كل تلك الأحكام من القرآن والسنة فماذا لو خرج علينا من يقول نتعلم الفقه وأحكام الدين من الكتاب والسنة مباشرة ولن تجد عالما واحداً تعلم الفقه من الكتاب والسنة مباشرة .
وكذلك هناك أشياء لم تذكر في القرآن والسنة ولابد من تعلمها علي الشيخ ومشافهته ولا يصلح فيها الاكتفاء بالكتاب كعلم التجويد بل والألتزام بالمصطلحات الخاصة به فيقولون مثلا : (( المد اللازم ست حركات )) فمن الذي جعل ذلك المد لازما ؟ وما دليل ذلك ومن ألزمه الناس ؟ إنهم علماء هذا الفن . كذلك علم التصوف علم وضعه علماء التصوف من أيام الجنيد رضى الله عنه من القرن الرابع إلي يومنا هذا ولما فسد الزمان وفسدت الأخلاق فسدت بعض الطرق الصوفية وتعلقوا بالمظاهر المخالفة لدين الله فتوهم الناس أن هذا هو التصوف والله عز وجل سيدافع عن التصوف وأهله وسيحميهم بقدرته تعالي : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ))
ولعلم فيما ذكر بياناً لمعني التصوف والطريقة والشيخ وسبب تعدد الطرق ولماذا نتعلم السلوك وتنقيه النفس من ذلك العلم المسمي بالتصوف ونأخذه على المشايخ ولا نرجع مباشرة إلي الكتاب والسنة ونسأل الله أن يبصرنا بأمور ديننا والله تعالي أعلي وأعلم

يجيب عن هذه الفتوى فضيلة الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية

» المسلم ورحمة الله
» دخول مكة و دخول المسجد الحرام:
» آداب الصيام وسننه